بنود الصلح
وهذه اهم بنود الوثيقة التي ابرمها الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية:
اولا- ان يتولى ادارة شؤون الامة معاوية بن أبي سفيان, شريطة ان يلتزم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله .
ثانيا- ان يتولى الإمام الحسن عليه السلام مهام القيادة في الامة بعد وفاة معاوية, فان كان اجل الحسن عليه السلام قد حل حينئذ فالحسين عليه السلام يتولى الامر.
ثالثا- ان يمنح الناس حق التمتع بالحرية والاستقرار سواء أكانوا عربا ام غير عرب من أهل الشام ام من أهل العراق وان لا يؤاخذوا على مواقفهم السابقة من الحكم الاموي.
وقال عليه السلام لمالك بن ضمرة عندما كلمه بشأن الوثيقة مع معاوية:
(اني خشيت ان يجتث المسلمون عن وجه الارض, فأردت ان يكون للدين داع).
وقال عليه السلام مخاطبا ابا سعيد:
(يا ابا سعيد علة مصالحتي لمعاوية, علة مصالحة رسول الله صلى الله عليه وآله لبني ضمرة, وبني اشجع ولاهل مكة حين انصرف من الحديبية).
استشهاد الإمام المجتبى
تؤكد الروايات أن الحسن توفي مسموماً، سمته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس بإغراء من معاوية بن أبي سفيان، لما عزم على البيعة ليزيد ولم يكن شيء اثقل عليه من الحسن بن علي عليه السلام، وبعد أن وعد جعدة بتزويجها بولده يزيد، وبأن يدفع لها مائة ألف درهم. ولكن معاوية بعد تنفيذ هذه الخطة أعطاها المال، ولم يف لها بتزويجها بولده، قائلاً: إنا نحب حياة يزيد، ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه.
وقد اعتل الإمام الحسن عليه السلام بعد أن سقته جعدة بنت الأشعث أكثر من شهر وكان خلال هذه الفترة لا يكف عن أداء رسالته فكان عليه السلام يجمع أصحابه ويوصيهم ويعلمهم بالرغم من أن السم أخذ يمزق أحشاءه.
وقال عليه السلام: (سقيت السم مرتين وهذه الثالثة) وفي رواية عبد الله البخاري أن الحسن قال (يا أخي إني مفارقك ولاحق بربي وقد سقيت السم ورميت بكبدي في الطشت وأنني لعارف بمن سقاني ومن أين دهيت وأنا أخاصمه إلى الله عز وجل).
فقال له الحسين عليه السلام: ومن سقاكه.
قال عليه السلام: وما تريد به، أتريد أن تقتله. إن يكن هو فالله أشد نقمة منك وإن لم يكن هو فما أحب أن يؤخذ بي بريء).
مكان الدفن
توفي الإمام الحسن مسموماً بالمدينة في شهر صفر سنة 50 للهجرة ودفن بالبقيع المقبرة العامة بعد أن كان أوصى أخاه الحسين عليه السلام بأن يدفنه إلى جنب جده النبي صلى الله عليه وآله، وإن حيل بينه وبين ذلك فيدفنه بالبقيع، وأن لا يريق في أمره دماً. وعندما أراد الحسين عليه السلام دفنه بجنب جده صلى الله عليه وآله، تجمع بنو أمية وأنصارهم وعلى رأسهم مروان بن الحكم، ومنعوه من ذلك، وكادت الفتنة أن تقع بينهم وبين بني هاشم الذين أصروا على دفنه مع جده، وشهر الفريقان السلاح،
ولكن الإمام الحسين عليه السلام قطع النزاع وقضى على الفتنة، ونفذ وصية أخيه ودفنه بالبقيع.
وكان عمره يوم وفاته ثمان وأربعين سنة وقيل ست وأربعين سنة.
فسلام عليه يوم ولد ويوم عاش من الإسلام وبه وإليه ويوم جاهد وكافح من أجل إعلاء كلمته وبنى صروحه الشامخة عالية ورفع رايته خفاقة مشرقة، ويوم مات شهيداً ويا لها من شهادة مشرقة تعطر بها التاريخ واكتسى بها أروع حلله.
اوصاف الامام المجتبى(ع)
كان سلام الله عليه أشبه الناس من رأسه إلى صدره بجدّه رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن أحد في زمانه أشبه بالنبي صلى الله عليه وآله منه، وكان وجهه الشريف أبيض مشربا حمرة، أدعج العينين بمعني سوادهما مع سعتهما، وسهل الخدين بمعنى ملاسمتهما وعدم حزونتهما، رقيق الوجه، كث اللحية، ذا وفرة كأنَّ عنقه ابريق فضة، عظيم الكراديس(وهما عظمان ألتقيا في المفصل بعيد ما بين المنكبين) وربعة(وهوالرجل المتوسط الذي ليس بالطويل ولا القصير) بخلاف ابيه أمير المؤمنين عليه السلام فإنه الى القصر أقرب منه الى الطول.
والحاصل ان الحسن عليه السلام كان مليحا جدا، بل من أحسن الناس وجها، وكان حسن البدن، جعد الشعر، يختصب بالسواد، والخلاصة انه عليه السلام كان مضرب المثل في الحسن والجمال، حتى قيلت في حسنه روايات كثيرة.
الجانب العلمي
هذا طرف من الجانب العلمي الذي روته سيرة الإمام الحسن عليه السلام كأمثلة عن غزارة علم الإمام, أو اكتمال معرفته:
كتب اليه الحسن البصري, يسأله عن القضاء والقدر، فأجابه الإمام السبط عليه السلام: ( اما بعد فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره, ان الله يعلمه فقد كفر, ومن احال المعاصي على الله فقد فجر، ان الله لم يطع مكرها ولم يعص مغلوبا ولم يهمل العباد سدى من المملكة بل هو المالك لما ملكهم والقادر على ما عليه اقدرهم, بل امرهم تخييراً ونهاهم تحذيراً فإن ائتمروا بالطاعة لم يجدوا عنها صاداً وان انتهوا إلى معصية فشاء ان يمن عليهم, بأن يحول بينه وبينها فعل, وان لم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها جبرا ولا ألزموها كرها, بل مَنّ عليهم بأن بصرهم وعرفهم وحذرهم وامرهم ونهاهم لا جبرا لهم على ما امرهم به فيكونوا كالملائكة, ولا جبرا لهم على ما نهاهم عنه ولله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم اجمعين..)
وهكذا وبعبارة وجيزة يوضح الإمام عليه السلام قضية هي من اكثر قضايا الفكر تعقيدا وعمقا حتى انها لشدة عمقها ضل فيها الكثير من رجال الفكر, بل نشأت عنها تيارات متطرفة كالأشاعرة والمعتزلة حول التفسير العقائدي السليم والذي يكشف عنه قول الإمام المعّبر عن العمق والاصالة في الفهم والمعرفة الإسلامية... الامر الذي يُشعر بارتباط الإمام السبط عليه السلام بمنابع الرسالة الصافية وارتياده من مفاهيمها الاصيلة.
قيل له: ما الزهد؟
قال: الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا.
قيل : فما الحلم؟
قال: كظم الغيظ وملك النفس.
قيل ما السداد؟
قال: دفع المنكر بالمعروف.
قيل فما الشرف؟
قال: اصطناع العشيرة وحمل الجريرة.
قيل: فما النجدة؟
قال: الذب عن الجار, والصبر في المواطن, والاقدام عند الكريهة.
قيل: فما المجد؟
قال: ان تعطي في الغرم, وان تعفو عن الجرم.
قيل: فما المروءة؟
قال: حفظ الدين واعزاز النفس ولين الكنف وتعهد الصنيعة وأداء الحقوق والتحبب إلى الناس...
سأل رجل شامي الإمام السبط عليه السلام: كم بين الحق والباطل؟
قال السبط عليه السلام: اربعة اصابع, فما رأيت بعينك فهو الحق وقد تسمع بأذنك باطلا كثيرا.
قال الشامي: كم بين الايمان واليقين؟
قال السبط عليه السلام: اربعة اصابع؟ الايمان ما سمعناه واليقين ما رأيناه.
قال: كم بين السماء والارض. قال عليه السلام: دعوة المظلوم.
قال: الشامي: كم بين المشرق والمغرب. قال عليه السلام
مسيرة يوم للشمس).
ومن تراثه الفكري الزاخر قوله عليه السلام: (ايها الناس انه من نصح لله واخذ قوله دليلا هدى للتي هي اقوم. ووفقه الله للرشاد وسدده للحسنى فإن جار الله آمن محفوظ وعدوه خائف مخذول, فاحترسوا من الله بكثر الذكر, واخشوا الله بالتقوى وتقربوا إلى الله بالطاعة, فإنه قريب مجيب, قال الله تبارك وتعالى: ( ... وإذا سألك عبادي عني فإني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان, فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون), فاستجيبوا لله, وآمنوا به, فإنه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله ان يتعاظم فان رفعة الذين يعلمون عظمة الله ان يتواضعوا والذين يعرفون ما جلال الله ان يتذللوا له وسلامة الذين يعلمون ما قدرة الله ان يستسلموا له, ولا ينكروا انفسهم بعد المعرفة, ولا يضلوا بعد الهدى, واعلموا علما يقينا أنكم لن تعرفوا التقى , حتى تعرفوا صفة الهدى ولن تمسكوا بميثاق الكتاب, حتى تعرفوا الذي نبذه, ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرفه فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلف ورأيتم الفرية على الله والتحريف ورأيتم كيف يهوى من يهوى ولا يجهلنكم الذين لا يعلمون التمسوا ذلك عند اهله فإنهم خاصة نور يستضاء بهم وائمة يقتدى بهم, بهم عيش العلم وموت الجهل وهم الذين اخبركم حلمهم عن جهلهم, وحكم منطقهم عن صحتهم وظاهرهم عن باطنهم لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه وقد خلت لهم من الله سنة. ومضى فيهم من الله حكم, ان في ذلك لذكرى للذاكرين, واعقلوه اذا سمعتموه, عقل رعاية, ولا تعقلوه عقل رواية, فإن رواة الكتاب كثيرة, رعاته قليل والله المستعان).
وسئل عن السياسة يوما فاجاب عليه السلام:
( هي ان ترعى حقوق الله وحقوق الاحياء وحقوق الاموات فأما حقوق الله: فأداء ما طلب, والاجتناب عما نهى, واما حقوق الاحياء فهي ان تقوم بواجبك نحو اخوانك ولا تتأخر عن خدمة امتك ان تخلص لولي الامر ما اخلص لأمته, وان ترفع عقيرتك في وجهه اذا ما حاد الطريق السوي.
اما حقوق الاموات: فهي ان تذكر خيراتهم وتتغاضى عن مساوئهم فان لهم ربا يحاسبهم.
هذه نبذة من علومه وقبسات من انوار معرفته وكمال عقله الذي حباه الله به, ذكرناها كنماذج من الارث الفكري الزاخر الذي تركه الإمام السبط عليه السلام لاجيال الامة الإسلامية بامتدادها التاريخي.
الجانب الخلقي
هذا الجانب من شخصية الإمام السبط عليه السلام حين نتناوله بالدراسة لم نكن لنقصد بحال ان الائمة الهداة عليهم السلام يتباينون في هذا الجانب أو سواه من عناصر الشخصية الإسلامية المثلى, فهم سواء في ذلك, وحين نسلط الضوء على الجانب الاخلاقي من شخصية الإمام الحسن السبط عليه السلام فإنما نعني بذلك عرض نماذج من اخلاقه واسلوب تعامله مع الناس, وتمشيا مع خطتنا هذه نذكر طرفا من اخلاقه المثلى, لكي تكون مثلا يُتحذى ومنهجا يُقتدى:
تواضعه
أ- روت كتب السيرة انه عليه السلام مرّ على جماعة من الفقراء قد وضعوا على وجه الارض كسيرات من الخبز, كانوا قد التقطوها من الطريق وهم يأكلون منها, فدعوه لمشاركتهم في اكلها, فأجاب دعوتهم قائلاً: (ان الله لا يحب المتكبرين). ولما فرغ من مشاركتهم, دعاهم لضيافته, فأغدق عليهم المال واطعمهم وكساهم.
ب- وروي عنه انه عليه السلام مر على صبية يتناولون طعاما, فدعوه لمشاركتهم فأجاب الدعوة, ثم دعاهم إلى داره واجزل لهم العطاء.
ج- وورد انه كان جالسا في مكان وعندما عزم على الانصراف دخل المكان فقير, فحياه الإمام السبط عليه السلام ولاطفه ثم قال له: ( انك جلست على حين قيام منا, أفتأذن لي بالانصراف؟)
فأجاب الرجل: نعم يا أبن رسول الله. والحديث يكشف عن حسن المعاشرة بالاضافة إلى التواضع.
إحسانه لمن أساء إليه
أ- روي انه وجد شاة له قد كسرت رجلها فقال لغلام له:
- من فعل هذا؟
- انا.
- لِمَ ذاك؟
- لاجلب لك الهم والغم.
فتبسم السبط عليه السلام وقال له: لأسرك. فأعتقه واجزل له العطاء.
ب- وروي ان شاميا ممن غذاهم معاوية بن أبي سفيان بالحقد على آل الرسول صلى الله عليه وآله, رأى الإمام السبط عليه السلام راكبا, فجعل يلعنه والحسن عليه السلام لا يرد عليه, فلما فرغ الرجل, اقبل الإمام عليه ضاحكاً وقال: (ايها الشيخ, اظنك غريبا ولعلك شبهت؟ فلو استعتبتنا اعتبناك, ولو سألتنا اعطيناك, ولو استرشدتنا ارشدناك, ولو استحملتنا حملناك وان كنت جائعا أشبعناك, وان كنت عريانا كسوناك, وان كنت محتاجا اغنيناك, وان كنت طريدا آويناك, وان كان لك حاجة قضيناها لك, فلو حركت رحلك الينا وكنت ضيفا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك, لان لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كبيراً).
فلما سمع الرجل الشامي كلامه بكى, ثم قال: اشهد انك خليفة الله في ارضه, الله اعلم حيث يجعل رسالته, كنت انت وابوك ابغض خلق الله اليَّ والان انت وابوك احب خلق الله اليَّ.
ثم استضافه الإمام عليه السلام حتى وقت رحيله, وقد تغيرت فكرته وعقيدته ومفاهيمه عن أهل البيت عليهم السلام