القاضي عياض أبو الفضل عياض بن موسى، بن عياض، بن عمرون بن موسى بن عياض بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن موسى بن عياض اليحصيبي ولد بسبتة سنة ست وسبعين وأربعمائة (476 هـ) في منتصف شعبان 28/12/1083 م1 اصل أهله من الأندلس، ثم أنهم انتقلوا إلى المغرب، ليستقروا بسبتة، درس في قرطبة على نفر كثير من المحدثين، والفقهاء، تتلمذ على أحد الصوفية المشهورين : أبو بكر بن العربيقدس الله سره (ت 543 هـ)، كان له دور مهم في التصوف بالغرب الإسلامي، رحل مع والده إلي المشرق، ولقي الإمام الغزالي، ودرس عليه، فأدخل التصوف المشرقي إلى الأندلس، كما أخذ على صوفي آخر من غرب الأندلس، والمعروفين بالصلاح، والتقوى، والزهد، وهو محمد بن خميس2 قال عياض : " سمعت منه بعضه من لفظه، وجالسته كثيرا، واخبرني كتاب الرعاية للحارث المحاسبيقدس الله سره " 3.
تولى القضاء في سبتة مدة طويلة، ثم انتقل إلى قضاء غرناطة سنة 532 هـ /1137 م، ثم عاد إلى قضاء سبتة.4 دخل عياض في طاعة المرابطين، فأكرموه، ورفعوا منزلته، ووقف في وجه الموحدين بقلمه، فكتب مؤلفه الشفا.
في تعريف حقوق المصطفى، لإعادة الاعتبار للنبوة، والدعوة إلى تكريمها معرفا بحقوق الرسولصلى الله تعالى عليه و سلم، والجزاء الواجب في حق المتجرئين عليها، ومما يؤكد هذا أن عياضا كان يكتب الشفا سنة خمسمائة واثنين وعشرين للهجرة (522 هـ) وهي السنة التي احتدم الصراع بين المرابطين، والموحدين، وبسيفه فقاد سكان سبتة وتزعم الثورة على الموحدين 5، والتي انتهت بعد هزيمتين بنفيه إلى مراكش حيث توفي هناك في7 جمادى الثانية من سنة 544 هـ /13/10/1149 م 6. وله مصنفات عديدة. 7
القاضي عياض أحد رجالات المغرب، الموسومين بالولاية، والصلاح، والمشهورين بالتصوف، شديد التعصب للسنة، والتمسك بها، كان إمام وقته في علوم شتى، يقول عنه المقري : " لا يمتري من سمع كلامه العذب السهل المنور في وصف النبيصلى الله تعالى عليه و سلم، ووصف إعجاز القران، أن تلك نفحات ربانية، ومنحة صمدانية خص اللهعز و جل بها هذا الإمام، وحلا بدرها النظيم "8، لولاه كما قيل لما ذكر المغرب9، وما أحسن قول من قال فيه 10:
ظلموا عياضا وهو يحلـم عنهم***والظلم بين العالمين قديم
لولاه ما فاحت اباطح سبتـــة***والنبت حول خبائها معـدوم
جعلوه مكان الراء عينا في اسمه*** كي يكتموه وأنه معلوم
بالرغم من شهرة عياض، ومكانته العلمية، وجهوده بالتعريف بأعلام المذهب المالكي، فان ما كتب عنه لا يناسب هذه الشهرة 11.
خلف مقطوعات قصيرة في موضوعات مختلفة، منها في : الوصف 12، التشوق13، والحنين إلى الوطن14 إلا أن أغلب قصائده، جاءت في مدح الرسولصلى الله تعالى عليه و سلم والتوسل به.
التوسل لغة : وسل فلان إلى الله وسيلة إذا عمل عملا تقرب به إليه، والواسل : الراغب إلى اللهعز و جل... وتوسل إليه بوسيلة إذا تقرب إليه بعمل... وفي حديث الأذان : اللهم آت محمداصلى الله تعالى عليه و سلم الوسيلة، هي في الأصل ما يتوصل به إلى الشيء، ويتقـرب به وقيـل هي الشفاعة يوم القيامة، وقيـل هي منزلة من منازل الجنة 15.
التوسل اصطلاحا : يعرفه الفقهاء بأنه الأقسام على اللهعز و جل بذاته، والسؤال بذاته، ويكون بتقوى اللهعز و جل، والإيمان بالرسولصلى الله تعالى عليه و سلم، وطاعته، وذكروا صيغه، وأدعيته، يكون التوجه فيها للخالق 16، كما في قول الشاعر:
الهي ترى حالي وفقري وفاقتي***وأنت مناجاة الحقيقة تسمع
الهي لئـن خيبتني وطـردتني *** فمن ذا الذي أرجو سواك فيدفع
يمكن تصنيف موضوعات التوسل إلى قسمين رئيسيين :
قسم يتصل بالشاعر، يعالج همومه : طلب العفو، والستر، وقضاء الحاجة، وحسن الختام، والأمن من الخوف، ودفع المصائب، والكوارث، وغير ذلك مما يعترض الإنسان في حياته الخاصة، والعامة.17 قسم يتصل بالجماعة التي تحيط بالشاعر، وبمجتمعه، والمسلمين على العموم، كونهم يعانون ما يعانيه، فيلتمس لهم الحفظ، والرعاية، ويدعو اللهعز و جل أن يفرج كروبهم، ويرخص أسعارهم.18
نعتمد في دراستنا التحليلية, لشعر عياض على خمس قصائد مدحية توسلية، قافيتها المستعملة هي : الراء نصان، واللام نصان، والميم نص واحد، وهي حروف مجهورة، مائعة، فاللام، صوت جانبي ينطق به بأن يتصل طرف اللسان باللثة، والراء صوت تكراري يضرب طرف اللسان في اللثة ضربات متكررة، والميم مخرجه مما بين الشفتين، مع حدوث ذبذبة في الأوتار الصوتية مع الأصوات الثلاثة19، ومن تمثيل ابن سينا لهذه الأصوات دلالة على القوة، والاستعلاء20، ففي صفة الجهر علو، وقوة، وفي حركة اتصال طرف اللسان، وارتفاع الطبق، والتقاء الشفتين علو، وقوة كذلك21، ومن شروط القافية أن تكون مناسبة للمعنى العام، وعند الشعراء أن في اختيار هذه الحروف الثلاثة، دلالة على التراخي، والاستسلام22، ومن طبيعة المتوسل أن يبدي ذلك، ويتضرع، ويظهر ندمه على ما بدر منه رجاء شفاعة الرسولصلى الله تعالى عليه و سلم المتوسل به، وغفران الخالق23عز و جل ، واختيار الشاعر لهذه الأصوات فيها دقة، وانسجامية مع محتوى الخطاب، لإحداث العظمة، والقوة المستعلية، التي بها يوصل إلى التخويف الرادع، وإظهار الندم، وطلب الشفاعة. وفي شعر عياض كذلك، هذه الأصوات الثلاثة أكثر ترددا، من غيرها، كما في قوله :
أنا فقير إلى عفو ومغفـرة***وأنت أهل الرضى ياسيد الامم
فقد آتيتك أرجو منك مكرمة***وأنت أدرى بما في القلب من ألم
تكررت اللام (6 مرات)، والميم (8 مرات)، والراء (6 مرات)، ومن خلال استقراء القرآن الكريم، وبعض معاجم اللغة العربية تبين أن اللام وردت في المصحف الشريف ( 33022 مرة)، والنون (26526 مرة)، والميم (26135 مرة)، والراء (11793 مرة)، كما وردت الراء بأعلى نسبة في المعاجم الثلاثة (الصحاح، اللسان، والتاج)، ثم النون في اللسان، والتاج 24، وقد أورد أحد الباحثين في إحصائه لأصوات الجذور العربية جدولا خاصا بعدد تردد الأصوات المائعة، ونسبتها إلى جميع الحروف، عدا أصوات اللين.25 كما نجد في شعر عياض تجانسات حرفية أخرى، مثل الياء في قوله :
يا سيدي يا رسول الله خذ بيدي***ذليلا حقيرا أهمل الفرض والنفل
كئيبا غريبا بافتقـار وضيعة***فالعبد ضيف وضيف الله لم يضـــم
يا رب يا اللــه يا سيـــدي***ويا عليـم الغـيـب لم يستتــر
تكرر صوت الياء في البيت الأول، سبع (7) مرات، وفي الثاني خمس (5) مرات، وكذلك في البيت الثالث، ويمكن تفسير هذا التكثيف في استعمال هذا الصوت، لمناداة المتوسل به، والاستغاثة به، وذلك بتكرار حرف الياء، وللدلالة على التراخي والاستسلام، والشعور بخيبة الأمل، والعجز، والندم على ما بدر منه رجاء الشفاعة، وكانت الكلمات المستعملة مواكبة لهذا الغرض: (كئيبا، غريبا، ذليلا، حقيرا، خيبة، يخسر، خطاي...) وفي ترديد الياء نزوع إلى النداء، واستطالة للآهات، وهي قرائن توضح ما يطبع النص من تعبير عن حالة الحزن التي تغشى الشاعر والمتوسل، والمتوسل، خاصة وأنها وردت ممدودة، وفي الدراسات النفسية اللغوية تدل الكسرة على الصغر، بينما الياء المكسورة الممدودة، فتفيد التضاؤل26. كما نجد في شعر عياض تجانسات صوتية أخرى مثل تكرار صوت الحاء، ثلاث (3) مرات، وتكرار صوت الخاء ثلاث (3) مرات، والهاء خمس (5) مرات.
ففي ترديد الرحمة ارتياح، وتردد، وفي ذكر الحشر، والحيرة ألم، وتحسر، أما الخاء فتأتي للتعبير عن الرخاوة، وإبراز العيوب النفسية (خسري، خيبة)، وتفيد الهاء الاهتزاز، والنشاز، والرداءة 27، وفي كل ذلك توسل بالرسولصلى الله تعالى عليه و سلم، والتماس شفاعته في خشوع، وقنوط، تجلى ذلك في غلبة الحروف المهموسة، التي لا تكاد تسمع عند النطق بها، فتكرار نفس الحرف في البيت يبرز الحالة النفسية التي كان عليها الشاعر من شعور بالذنب، وتضاؤل، واحتقار للنفس، واستسلام.
اهتم عياض بالتكرار، والمجانسة في شعره لإحداث تكثيف موسيقي داخل الأبيات، ولتوفير إمكانيات تنغيمية، ودلالية، وهكذا فان التكرار الجناسي متصل بأنسقة خاصة تخضع لاعتبارات دلالية من خلال السياق الذي بنيت فيه28. وهذه الاعتبارات الدلالية، في شعر عياض متوفرة، منها ما يتصل بنضج الدلالة، واكتمالها من خلال إتمام المعنى بالمجانسة، أو بيان النوع بالمجانسة، أو بيان الترتيب، أو المبالغة.
لقد اهتم الشاعر بالتكرار، والمجانسة لما توفره من إمكانيات تنغيمية، ودلالية وظفها الشاعر لتقوية الجانب الإنشائي في موضوعه عن طريـق إثارة العواطـف، فالتكـرار ظاهـرة لغـوية لها دلالات متنوعة 29.
بالنسبة للبحور، التي استعملها الشاعر فقد جاءت كالتالي : ثلاث (3) قصائد في البسيط، وقصيدة واحدة في الطويل، وقصيدة في السريع، وقد ربط القدماء، والمحدثون بين موسيقى الشعر ومعناه، فالأعاريض الضخمة الرصينة تصلح لمقاصد الجد كالفخر، ونحوه كعروض الطويل، والبسيط، ويصلح الكامل لجزالة النظم، والرمل، والمديد، لإظهار الشجو، والاكتئاب، يقول حازم القرطاجني : "فالعروض الطويل نجد فيه أبدا بهاء، وقوة، وتجد للبسيط بساطة، وطلاوة، وتجد للكامل جزالة، وحسن اطراد، وللخفيف جزالة، ورشاقة" 30. وفي دراسة قام بها أحد الباحثين لبحور الشعر العربي في العصر الجاهلي، والقرون الثلاثة الأولى، تبين له أن أكثر البحور استعمالا في الجاهلية هي : طويل وبسيط وكامل ومتقارب.21
إن وجهة نظر القاضي عياض جديرة بالاعتبار، فهناك هدوء، وتأمل، وبناء، وجمع بين الفكر، والعاطفة، فكانت الأعاريض الطويلة هي الأنسب للتعبير عن هذا كله، بحيث تعطي إمكانيات للحوار مع النفس، والآخرين في حين يعتبر البسيط من أكثر البحور حروفا، وحركات، يتسع فيه المجال لإبراز ممارسات لغوية، كالجناس، والطباق، والتكرار، وهي نماذج ولع بها الشاعر عياض المعروف بإطلاعه الواسع على البلاغة، وهو صاحب : بغية الرائد.
إن البحور الطويلة أكثر استيعابا للتجربة الهادئة المتأملة، يقول إبراهيم أنيس : " وفي الحق أن النظم حين يتم في ساعة الانفعال النفساني يميل عادة إلى تخير البحور القصيرة، وإلى التقليل من الأبيات... أما المدح فليس من الموضوعات التي تنفعل لها النفوس، وتضطرب لها القلوب، وأجدر به أن يكون في قصائد طويلة، وبحور كثيرة المقاطع كالطويل، والكامل..." 32.
كما يستخدم الشاعر وسائل أخرى لتوفير قدر من الموسيقية، والتنغيم لشعره منها المد، الذي يكثر منه، فهو إلى جانب إيقاعه الصوتي، له دلالات معنوية، إذ يفيد التعبير عن الحزن: استطالة الآهات بواسطة النداء، والندبة، والاستغاثة، أو التعبير عن الفخر، والتحمس، ويتم انتقاء الحروف المناسبة للغايتين.33 والقاضي عياض جمع بين الاهتمامين في قصائده، فهناك حزن على ما اقترفه من ذنب، وشعور بعبء ذلك، ومحاولة التغلب عليه بالتوسل من جهة أخرى34. ويتجلى المد في البيت بشطريه، فغالبا ما يستهله بمقاطع ممدودة.
كما يظهر هذا المد في القافية التي تؤلف في الواقع نفسا شعريا يتخلل المقطوعة كلها، وقد أحكم الشاعر الصلة بين أجزائها سلسلة من الصور المتداخلة المتآلفة، التي تعضدها نغمة القافية المفتوحة، وألفات المد المتكررة : (الطولا، الهولا، الأعلى، الأصلا، النقلا...)، وكذا نغمة القافية المضمومة التي تختم بها قوافي ثلاث قصائد : (أنوار، تختار، أشاروا، أخبار، منبر، يبهر، بدلوا، سألوا، جهلوا...) والمعروف أن جماليات التشكيل الصوتي في القصيدة العربية تعتمد على عناصر صوتية، أهمها، أصوات اللين، مما دفع بعض الباحثين إلى افتراض أن خاصية النبر لا توجد إلا في هذه الأصوات، لأن ثمة تناسبا طرديا بين درجة النبر، وطول الصائت، إذا أخذنا بتفسير النبر على أنه مجهود عضلي، صوتي35، فصدى الصوت يبقى مستمرا بعد النطق بالحرف، واعتماد المقاطع الممدودة بهذه الكثافة وفر للنصوص إيقاعا موسيقيا غنيا، نفث الشاعر من خلاله همومه، وأحزانه، وأشواقه للمقام الشريف المقدس، وتجلت رغبة الشاعر في الخروج من سجن الذنب، والشعور بالخطا، والرغبة في التخلص منه، والتطهر من دنسه، ولوتأملنا في بعض الأبيات، وحللنا بعض صورها، لكشف لنا عن تآلف عجيب بين جرس الألفاظ، والدلالة الصوتية للكلمات، هذا الترابط بين القيم الصوتية، والقيم المعنوية في شعر عياض، وغيره من الشعراء يجعلنا من الصعب الفصل بينهما، فنزيد يقينا أن للقافية قيمة معنوية تضاف لوظيفتها الصوتية 36، ولعل حازم القرطاجني أكثر النقاد العرب تنبها إلى الدور المعنوي، أوالوظيفة الدلالية التي تقوم بها القافية في الشعر37.
تختلف اللفظة الشعرية عن اللفظة العلمية بكونها لا تعبر عن الدلالة ببرودة، وتجرد، وإنما لا بد أن تتصف بالحيوية، والتعبير، والتبليغ لإحداث التأثير، والإحساس المنشودين في الشعر، لذا وجدنا المعجم الشعري يتداخل، ويستعين بكل ما من شأنه أن يوجد هذا التأثير38، واعتبارا لخصوصية التجربة الشعرية، وذاتيتها، وصعوبة التعبير عنها باللفظ العادي، فان الشاعر وضع معجما خاصا به، وتداول مصطلحات قادرة على توصيل شحنات التجربة بعمقها، وأبعادها، وبالرغم من أن هذه المصطلحات متداخلة فيما بينها، فانه يمكن تصنيف المعجم الشعري المستعمل لدى عياض إلى ثلاثة حقول رئيسية :
ما يتصل بالمقام النبوي، والأماكن المقدسة,ما يتصل بالرسولصلى الله تعالى عليه و سلم.
التوسل بالرسولصلى الله تعالى عليه و سلم، أو التعبير عما هو كائن، والتشوق إلى ما يؤمل أن يكون.
1-معجم الأماكن المقدسة: بالرغم من أن الشاعر لم يكتب له أن يزور الأماكن المقدسة، فانه تحدث في شعره عن الرحلة إليها، وعن بعض وسائل السفر، ومصطلحاته كالإبل، والزيارة، والركب، والسقي، وهو تنفيس عن الرغبة في الزيارة، والتشوق إليها.
ركز الشاعر حول مكة باعتبارها محل شعائر الحج، ومسقط رأس الرسولصلى الله تعالى عليه و سلم ، والمكان الذي نشأ، وشب، وبعث فيه، والمدينة باعتبارها دار الهجرة، ومقر الروضة، والمنبر، ومكان دفنه، كما وردت الإشارة إلى أماكن أخرى مثل : منى، الغار، قباء، وغيرها.
2-معجم خاص بالرسولصلى الله تعالى عليه و سلم: خصص الشاعر القصيدة الرابعة لتسجيل السيرة النبوية، لا للتوسل، كما هو الشأن في القصائد الأخرى، وإذا نحن رجعنا إلى المعجم الخاص بالرسولصلى الله تعالى عليه و سلم، ألفيناه مقسما إلى قسمين :
الأول يتعلق بنسبه، وأصوله ؛ والثاني بأسمائه، وأوصافه، ومن الأسماء الواردة نذكر على سبيل المثال لا الحصر: آدم، إبراهيم، إسماعيل، عدنان، معد، نزار، مضر، إياس، النضر، مالك، غالب، كعب، عبد مناف، هشام، عبد المطلب، عبد الله، آمنة...
3-معجم التوسل، ويتضمن موضوعين :
التعبير عما هو كائن، والاعتراف بالذنب، والشعور بالخيبة، والخوف من العقاب. الإعراب عما يرجى أن يكون، وطلب الرحمة، والغفران. 39
إن معجم ما يرجى أن يكون يفوق معجم ما هو كائن، أي أن الشاعر اتجه إلى التوسل، وطلب العفو، والشفاعة أكثر من اتجاهه نحو إظهار عيوبه، وذنوبه فكان توسله، توسل متفائل مؤمن بعفو ربهعز و جل، وشفاعة نبيه المصطفىصلى الله تعالى عليه و سلم.
لا تتم الشفاعة، والعفو، والرحمة إلا بإبداء دلائل التوبة النصوح، وبراهينها، لذلك نجد الشاعر يسوق بعضها، ويعتمدها في طلب النجاة، وهذه الدلائل تتمثل في الحجج القرآنية التي أثرت النصوص وأغنتها، وعمقت دلالتها، ولعل الشاعر القاضي عياض - وهو الفقيه المحدث - اعتمد الآيات القرآنية، والآحاديث النبوية الشريفة التي تحث الإنسان على الاستغفار، والتوبة ، ولا تخلو أية قصيدة من قصائده من ذلك :
فكن شفيعي لما قدمت من زلل***ومن خطاي فان الرب غفار
إشارة إلى الآية القرآنية :فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله40
وفي قول الشاعر:
فلي ذنـوب أثقلـت كاهـلي***إن لم تكن تغفـر من يغفـر
إشارة إلى الآية القرآنية :لا تقنطـوا من رحمة الله، إن الله يغفـر الذنوب جميعا.41
إن المعجم الوارد في شعر عياض مرتبط إما بالمقام المقدس، أو بالرسولصلى الله تعالى عليه و سلم، أو التوسل به، ويواكبه معجم ديني، ويغيب معجم التصوف، إلا أنه لا يخلو من موضوعات، وجوانب يهتم بها الصوفية عموما، خاصة منها ما يتعلق بالتوسل.
وفي الختام، لقد اشتهر عياض بالفقه والسيرة، ولم يكن اختصاصه الشعر، ولكن كانت له مشاركة فيه، وخلف مقطوعات قصيرة، في المدح النبوي، وبذلك يكون من أوائل الذين مدحوا الرسولصلى الله تعالى عليه و سلم في الغرب الإسلامي.
إغناء الجانب الصوتي الموسيقي في النصوص باستغلال إمكانيات المد، والتكرار، والمجانسة اللفظية، والحرفية، والمقابلات المعجمية.
غنى المعجم الديني سواء ما تعلق بالإشارات، والمفاهيم الدينية، أو ما تعلق بالمقام النبوي، وأسماء الرسولصلى الله تعالى عليه و سلم، وصفاته، وفضائله.
يجب أن ننظر إلى وظيفة المدح النبوي عند الشاعر القاضي عياض، المتمثلة في الرفع من مقام النبوة، ورد الاعتبار إليها في ظرف انتهكت فيه حرمتها من طرف دعاة خارجين عن الدين.