لقطب العارفين العارف بالله سيدي جابر الجازولي
مؤسس الطريقة الجازولية الحسينية الشاذلية
الوجود المحمدى ملء الزمان والمكان باقيا مادامت السموات والأرض، ملء السمع والبصر والفؤاد ولا ينكره إلا جاحد أو مهتز الإيمان والشواهد على ذلك كثيرة من القرآن ومن الحديث ومن أهل الصفاء والبصيرة الذين أنار الله قلوبهم وصفى أرواحهم، ولا يعنينا فى ذلك أن يقول قائل بغير ذلك، لأننا لا نستطيع أن نُسمع الصم ولا نُبصر العميان، ولا ينكر الشمس إلا ذو رمد، ولا يمكن أن نسأل المريض عن طعم الطعام ولا تذوق الأشياء. ومحمد صلى الله تعالى عليه و سلم موجود فى صلاتنا حين نقول: السلام عليك أيها النبى، فكيف نسلم على غائب أو غير موجود؟ والصلاة كما نعلم أشرف مقام تعبدى، وقد فرضت فى السموات وقد أمرنا الله جل شأنه أن نصلى عليه ونسلم له تسليما. فكيف نصلى على غير موجود؟ وكيف نسلم على غائب؟ ومحمد صلى الله تعالى عليه و سلم الذى قال فيه القرآن الكريم : وما ينطق عن الهوى.
وعن أبى هريرة أنه قال: قال صلى الله تعالى عليه و سلممن رآنى فى المنام فسيرانى فى اليقظة ولا يتمثل الشيطان بى.
وروى الطبرانىء مثله من حديث مالك بن عبد الله.. ومعنى الحديث التبشير بأن من فاز من أمته برؤيته فى المنام لابد إن شاء الله أن يراه فى اليقظة ولو قبل الموت، وكيف يرى وهو غير موجود؟ والوجود المحمدى على لسان كل مسلم فى خمس أوقات من الليل والنهار.
"أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله".. وفى ضمير كل مؤمن حين يصلى عليه ويسلم كما أمرنا الله سبحانه وتعالى بذلك..
الوجود بالجسم
الوجود بالجسم نوعان: وجود بالجسم الترابى، وهو لا يكون إلا فى مكان واحد، ولا يجوز تعدده.. ووجود بالجسم الثانى اللطيف، بمعنى أن الجسم الشريف فى مكانه من الروضة المطهرة، مع تعدد وجوده فى أى مكان بالجسم المثالى..
وفى ليلة الإسراء حين أسرى به من مكة المكرمة، قال صلى الله تعالى عليه و سلم:مررت على أخى موسى فوجدته قائما يصلى فى قبره ثم كان النبى موسى مع الأنبياء فى صلاتهم مع محمد وهو يؤمهم بالمسجد الأقصى، فهل الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وعلى نبينا محمد كانوا موجودين بكل ملء وجودهم فى أثناء هذه الصلاة؟ إن لم يكن ذلك – وهذا أخطر اجتماع يجتمع فيه النبى صلى الله تعالى عليه و سلم بجميع الأنبياء، ويؤمهم فى صلاتهم- اعترافا منهم له بالإمامة عليهم وتسليمهم له الرسالة، فهل يمكن والأمر كذلك أن يكون هذا الاجتماع بغير وجود؟ ولماذا والله سبحانه وتعالى قادر على أن يجمعهم بحبيبه محمد صلى الله تعالى عليه و سلم بكامل وجودهم، وهذا ليس على الله بعسير. رب قائل يقول إنهم حضروا بأرواحهم، فهذا أمر لا معنى له.. والحقيقة كما نرى، محمد سيد الأنبياء يصلى بالأنبياء ببيت المقدس، وهو على استعداد للعروج إلى الله.. وقد كانوا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في استقباله فى السموات كما كانوا فى استقباله بيت القدس.. وكيف لا يملأ الوجود المحمدى الزمان والمكان، ومحمد أكرم على الله من جميع خلقه.. عليك الصلاة والسلام يا سيدى يا رسول الله.. سيعلم الناس فى يوم من الأيام قدرك ووجودك ومنزلتك عند ربك العلى الأعلى..
والوجود المثالى يحصل عليه كل عبد أنس بربه وأحب نبيه واستقام.. وقد وصل إليه الابدال فى حياتهم وبعد وفاتهم.. فكيف بنبينا وقد بلغ من التكريم والتعظيم مبلغا لم يبلغه عبد قط، وكيف به وهو يقال له من فم كل مسلم فى كل وقت وفى كل صلاة السلام عليك أيها النبى ووحمة الله وبركاته.. فماذا تعنى هذه الكلمة إن لم تكن تعنى وجوده بيننا بكامل وجوده.. وقد نرى إن شاء الله من هذا كله، أنه موجود بجسده الشريف وروحه الكريم، لا يخلو منه زمان ولا مكان، وقد قرأنا كثيرا لكثير من الأولياء أنهم رأوا ورأينا الحضرة الحمدية، واجتمعوا بها مرات كثيرة فى اليقظة والمنام.
وقد قال السيد المرسى أبو العباس رضى الله عنه، وهو من اتباع السيد الولى الكبير والقطب العظيم سيدى أبى الحسن الشاذلى رضى الله عنه: (لو حُجبتُ عن رؤية النبى صلى الله تعالى عليه و سلم طرفة عين ما عددت نفسى في المسلمين). وكان السيد أحمد الرفاعى رضى الله عنه يقول: (كشف الله عن بصرى فرأيت النبى صلى الله تعالى عليه و سلم ملء السموات والأرض والعرش والكرسى وملء سائر الأقطار) والبراهين على ذلك كثيرة.
وأن جميع الأولياء لا تتم ولايتهم إلا بإذنه صلى الله تعالى عليه و سلم وبتزكيته، وكانوا يجتمعون بسيد المرسلين يقظة ومناما، وكان أحد العارفين وهو "خليفة بن موسى" كثيرا ما يجتمع به، وفى ليلة واحدة اجتمع به سبعة عشر مرة وقال له النبى [يا خليفة لا تمل منا فقد مات كثير من الأولياء بحسرة عدم رؤيتنا".
والأبدال من هذه الأمة سُمُّوا كذلك لأن الواحد منهم يتعدد وجوده فى أماكن كثيرة.. وأن كثيراً من الصالحين قد اجتمعوا بالحضرة المحمدية عليها صلاة الله وسلامه يقظة، وسألوه عن أشياء فى مصالحهم فأجابهم صلى الله تعالى عليه و سلم عنها وأمور كثيرة حذرهم منها.
والقرآن الكريم يقول:ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون. صدق الله العظيم.
قال تعالى :واعلموا أن فيكم رسول الله