لشيخ بالاستحقاق ، قطب الوقت في الآفاق ، مظهر أسرار فتوحات الرحيم الهادي ، وإمام أئمة الزمان ، وسيد الطائفتين ، ولسان القوم ، طاووس العلماء ، سلطان الزهاد وأهل اليقين
اسمه
جنيد بن محمد بن الجنيد الخراز القواريري .
كنيته
أبو القاسم .
مذهبه
تفقه على مذهب أبي ثور وهو ابن عشرين سنة .
معاصريه
صحب السري السقطي ( خاله ) ، والحارث المحاسبي .
حياته
كان في عالم طفولته متحلياً بالفهم والفراسة وجودة الذهن والمعرفة . أتى يوماً من البستان إلى البيت فرأى أباه باكياً فسأله عن أصل بكاءه . فقال : اليوم أرسلت مقداراً من الدراهم المزكاة إلى خالك السري فرده فأظن أن عمري قد انقضى بخمسة دراهم وهذا الحال ليس بموافق لأحباء الله تعالى ، فقال الجنيد : اعطني لأوصله إليه فأوصله فدق الباب على السري فقال : من هـذا ؟ فقلت الجـنيد ، فأقبل فريضة الزكاة ، فقال : لم اقبل ، فقلت : بحق الله عليك أن تقبل لأن الله تعالى عاملك بالفضل وعامل أبى بالعدل ، فقال : فما الفضل لي ، والعدل لأبيك ؟ فقلت : جعلك زاهداً مقبولاً وجعل أبى بالدنيا مشغولاً تقبل وألا تصل لمستحقيها فانبسط فقال : قبلتك قبل الزكاة ، فقبلها واجلس الجنيد عنده ، ثم استصحبه معه للحج وهو ابن سبع سنين .
ويروى أنه قال لابن شريح : طريقنا أقرب للحق من طريقكم . فطالبه بالبرهان ، فقال الجنيد لرجل أرم حجراً في حلقة الفقراء فصاحوا كلهم ( الله ) ثم قال : ألقه في حلقة الفقهاء فألقاه فقالوا : حرام عليك أزعجتنا . فقبل رأسه وأعتذر .
كراماته قدس الله سره
يروى أن بعض أهل الحسد غمزوا لخليفة الوقت عليه وقالوا : هـو فتنة للناس فقال الخليفة : هـذا رجل طالب الحق ومخالفته ومؤاخذته بلا حجة عليه ليس من المروءة . فهيأ جارية من خواص جواريه في غاية الحسن ، والحلي والحلل وأرسلها إلى صومعة الجنيد و أوصاها أن تقول له أتيتك طائعة راغبة فيك ولن اسمح لنفسي إلا لمواصلتك وأن تستعمل الخداع مهما امكنها اختبار الجنيد فأستعملت لطايف الحيل بذلك الحسن والحلل فلم ينظر إليها ولم يجبها فلما أصرت بخداعه ، نفخ عليها نفخة فأحترقت بمكانها فأوصل الخادم الخبر إلى الخليفة فندم من فعله وجاء إلى صومعة الجنيد واعتذر وقال : كيف امكنك إحراق مثل هـذه الجارية اللطيفة . فقال : وأنت كيف وسعك أن تسعى بأحباط عمل أربعين سنة . فبعد ذلك شاع صيت الجنيد بمسامع الآفاق واعتقدوا به على الاطلاق .
ويروى أنه دخل عليه إبليس في صورة نقيب وقال : أريد أن أخدمك بلا أجرة ، فقال له : افعل ، فأقام يخدمه عشر سنين فلم يجد قلبه غافلاً عن ربه لحظة واحدة فطلب الانصراف ، وقال له : أنا ابليس فقال : عرفتك من أول ما دخلت وإنما استـخدمتك عقوبة لك فأنه لاثواب لاعمالك في الآخرة ، فقال : ما رأيت قوتك يا جنيد ، فقال له : اذهب يا ملعون أتريد ان تدخل عليّ الإعجاب بنفسي ، ثم خرج خاسئاً .
نقل الشيخ موسى التهتوي السهروردي في كتاب المكاشفات الجنيدية : تجلى الله تعالى على سيد الطائفة الخلوتية الشيخ الجنيد البغدادي قدس الله سره يوم الجمعة في اثناء الخطبة واستغرق في بحر المكاشفة والشهود وقال : قدمه على رقبتي بغير جحود وحتى رأسه ونزل مرقاة من مراقي المنبر , وبعد إفاقته وإتمام الخطبة والصلاة سألوا منه عن كيفية ما قال في اثناء الخطبة , فقال : كشف لي من عالم الغيب أنه سيظهر في وسط القرن الخامس رجل من ولد سيد المرسلين صلى الله تعالى عليه وسلم يكون قطباً للعالم وملقباً بمحيي الدين ومسمى بالسيد عبد القادر وهو الغوث الأعـظم ومولده من كيلان ويكون مأموراً بأن يقول : قدمي هـذه على كل ولي وولية لله من الأولين والآخرين , سوى الصحابة والأئمة من ذرية خاتم النبيين صلى الله تعالى عليه وسلم , وخطر لي أني لست من عصره كيف أضع له رقبتي بقوله , فجاءني الخطاب من الله تعالى بالعتاب : لأي شئ ثقل عليك هـذا الأمر فأنه محبوبي ومن ذرية حبيبي وشأنه بين الأقطاب والأولياء كشأن رسولي محمد صلى الله تعالى عليه وسلم بين الأنبياء , وحضر جميع الأولياء بأرواحهم وأجسادهم حين قوله : قدمي على رقبة كل ولي وولية لله لوضع رقابهم وانقيادهم إليه , فلهذا قلت : قدمه على رقبتي , فمرتبته فوق مراتب الأولياء رضوان الله تعالى عليهم أجمعين .
لما جلس يتكلم على الناس بأمر المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم كان أول مجلسه وقف عليه غلام نصراني متنكراً . فقال : ما معنى قول النبي ( اتقوا فراسة المؤمن ) قال : معناه أنك تسلم فقد حان وقت إسلامك ، فأسلم .
وفاته
انتقل إلى عالم الشهود والحق سنة 297 هـ ومقامه في الجانب الغربي من مدينة بغداد مزار ظاهر على رؤوس الاشهاد